لطيفة تقبض على المفتاح المهم لصوتها
في 13 أغنية تنوعت في شرقيتها وتوحدت في روحها··
قال عنها الراحل الكبير مؤخراً يوسف شاهين: إنها سفيرة الأمس الى اليوم·· وهو يذكِّر بأن في صوتها روح كبار العصر الذهبي، وكان يبادرها كلما إلتقاها: يا لطيفة هاتي أغاني تعادل صوتك العظيم·
ونعتقد أن التونسية الأشهر بعد علَّية، لبت الدعوة ونفذت الوصية في أحدث ألبوماتها: في الكام يوم اللي فاتوا وهو عنوان طويل يذكرنا بعناوين قصص الراحل الكبير إحسان عبد القدوس، حيث خيط رفيع لكنه قوي يربط، ويشد الثلاث عشرة أغنية الى بعضها البعض، بـهنكٍ شرقي متميز، وصوت كلما كبر كلما انفتحت آفاقه على مساحات أرحب من الإمتاع، وهي صورة تعيد الى لطيفة تلك الخصوصية التي كانت فرضتها منذ انطلاقتها الحقيقية أواخر الثمانينات في القاهرة حيث درست وعملت وحضرت وحظيت بإحترام وتقدير·
أنا عارفة، يا أغلى قلب، سيبني شوية، منخاف من مين، أنا عمري ما هنساك، لو فاكر، بيكذب، كن زمان، روحي بترد فيَّ، فاكر ايه، لو سهران حبيبي، مارينا، إضافة الى الأغنية عنوان الألبوم الصادر عن روتانا التي يحسب لها في الآونة الأخيرة غلبة التوعية على الكمية وكأن الإشراف والمتابعة وحسن الإختيار باتوا من سمات كل المشاريع الإنتاجية التي يجري العمل عليها بدأب·
ورغم أننا مع رقم منخفض من عدد الأغنيات في الــ سي دي الواحد لأي مطرب، فإن الــ 13 أغنية ورغم سمعة الرقم السيئة، وكثرة الأغنيات وجدنا أن هناك صعوبة في إستبعاد واحدة أو أكثر منها، ربما لأن الروح التي تربطها متينة الى درجة عدم القدرة على فصل أيٍ منها أو أن الدقة في الإختيار، جعلت الإمكانية غير موجودة حتى لا نقول معدومة·
أحببنا الأغنيات، واستمعنا إليها أكثر من مرة، ووجدنا أن تنويعة الملحنين (وليد سعد، تامر علي، محمد يحيى، أمجد العطافي، حمدي الصديق، نصير شما، حسين لاسنامي) والشعراء (نادر عبد الله، تركي السويري، بهاء الدين محمد، جمال الحولي، عصام حسني، عبد الوهاب محمد، أيمن بهجت قمر، محمد الرفاعي) وحتى التوزيع (تميم، عادل عايش، توما، مدحت خميس، أحمد ابراهيم، حسن شافعي، عمر حمدي، عصام الشرايغي) خدمت كثيراً مناخ العمل برمته لأن كل هذه القنوات كانت محكومة بنهر واحد صَّبت فيه جميعاً، فكانت شخصية لطيفة هي الطاغية، والحاضرة، والمهيمنة، بحيث بدا الكل يخدم صورتها، وتوجهها واللون الذي قررت أن تنسج على منواله 13 أغنية تبدلت في اسلوبها النغمات لكنها توحدت في الرمز وفي الروح، فشعر من استمع الى الشريط بأن هناك مايسترو واحداً يقود اللعبة، ومع الاعتذار من جميع المساهمين في الألبوم·· كانت لطيفة·
المساحة الشرقية في صوت لطيفة مستغلَّة بالكامل، واضح أن هذه الفنانة حسمت أمرها بعد أكثر من عملية تجريبية لأنماط معاصرة، مطعََمة ببعض الحديث الذي ظل من دون هوية واضحة، وإذا بها هنا في نتاجها هذا تقبض على لونها الملائم، على الصورة الأجمل لها عند المستمعين، ولا تستقيم الرؤية الإبداعية، هنا، من دون معرفة أن لطيفة عرفت بوابات أصيلة، حين أصرت في معظم حفلاتها واطلالاتها المهرجانية - أو عبر الفضائيات على تقديم صوتها حاملاً إرث الزمن الجميل بروائع لــ اسمهان، أم كلثوم، هدى سلطان، شادية وفايزة أحمد وغيرهن لمن يصعب على غير القادرات بلوغ طبقات الإبداع في أصواتهن·
هنا في ألبومها: في الكام يوم اللي فاتوا، ثارَت لطيفة على ذاك العصر، وعلى نجماته، وقالت بالأغنيات الجديدة، هذه روح قديمة بثوب جديد عصري، في ملاءمة اعتقدها كثيرون صعبة، وخاضها كثيرون بأكثر من اسلوب فتعثروا حيناً ونجحوا في حالات نادرة، لكن نجمتنا أمسكت بمفتاح سحري لو أكملت الطريق إياه لاحقاً، لكسبنا معاً، فالفنانون الكبار هم الذين يجربون، والأذكياء من بينهم هم الذين يثبتون على إطار معين حين يدركون أنهم بلغوا مآربهم بعدما حددوا هدفهم·
مبروك لــ لطيفة هذا الشريط الجميل برمته·
محمد حجازي
No comments:
Post a Comment